مهارات لغوية في الإرشاد


يمكن استخدام هذه التقنيات في اللإرشاد، والتوجيه، والتربية، وسائر الحوارات التي يراد بها إحداث تأثير يدفعه به للقيام بفعل أو تأدية أمر. (كالنبتة)


 آيفن تيرل، جو غرافين، غاريث هقهيس

إن لطريقة استخدامنا اللغة تأثير عميق في الإرشاد. فإن محاكاة لغة العميل واستخدام عباراته يعكس فهمك لما يقوله، ويُشعر العميل بأنك إلى جواره . حيث أن استخدام لغة إيجابية ومدروسة  يُعزز هذا من توقع العميل للتحسن.  كما وأن لإعادة صياغة المشكلة دوراً أساسياً وكبيراً؛ حيث أن ذلك يخفف من وطأتها على حياة العميل ويفتح الباب للتغيير. ولا ننس أهمية دور التلميحات المبطنة داخل الحديث، فيمكن أن تؤثر على طريقة تفكيره، من خلال تقوية جوانبه الإيجابية وتقليل الانفعالات السلبية.

وعادة ما يكون العمل الذي نقوم به دقيقًا وغير مباشر. فمن خلال تقديم اقتراحات مصاغة بعناية وافتراضات غير مباشرة، يمكننا أن نوجّه عملاءنا نحو فتح آفاق جديدة، وتعزيز وعيهم، واستحضار ذواتهم المراقِبة، وإدخالهم في حالة تركيز عميق مفيدة، وبناء رغبة حقيقية في التغيير.

وقد تبدو هذه المهارات اللغوية غريبة أو غير مريحة في البداية. لكن تذكّر أننا فقط نستخدم إيقاعات وتعبيرات اللغة اليومية الطبيعية. ومن المرجح أنك تستخدم كثيرًا من هذه الأساليب بالفعل من دون أن تدرك.

وهنا يكمن السر في الممارسة المستمرة، تدرّب على هذه المهارات وتوظيفها في حياتك اليومية. فكما يشق النهر مجراه، بالدأب المستمر تسهل الأمور فكلما مارست اكثر، كانت الأمور أكثر سلاسة.

المهارات اللغوية التالية هي أشكال غير مباشرة من التواصل يمكن استخدامها جنبًا إلى جنب مع المهارات اللغوية أخرى. من المهم أن نتذكر أن هذه المهارات غالبًا ما تتداخل – فقد تحتوي جملة واحدة على عدد من هذه التقنيات في آنٍ واحد. نحن نفصل بينها هنا فقط لأغراض التعليم والتوضيح، لنعرض لك مختلف الطرق التي يمكن للغة أن تُستخدم بها، أما في الواقع العملي فنحن نستخدمها معًا بشكل متكامل. فاللغة كائن حي، تتدفق ولا يمكن تقطيعها إلى وحدات ثابتة بدقة. والعمل بها فنٌّ يتحسن ويزدهر بالممارسة.

 

  • الافتراضات:

الافتراض هو عبارة عن جملة توحي بوجود حالة أو شعور أو ظرف معين. فهي تفترض (أو تُسلّم ضمنيًا) بأن شيئًا ما سيحدث. تكمن قوة الافتراضات بأنه لا يمكن تجاهلها، وإذا استُخدمت ببراعة، فإنها تُولّد توقعات بالتغيير تتجاوز الوعي المباشر أو الإدراك الواعي. 

 

أمثلة: 

لا أعلم إن كنت ستدخل في حالة غفوة خفيفة أم عميقة.

الافتراض هنا هو أن العميل سيدخل في غفوة بالفعل.

 

كيف أحرزت هذا التحسّن؟

الافتراض هو أن العميل يمتلك بعض السيطرة على حالته، مع التأكيد على أن هناك تحسّنًا قد حدث.

 

ما الأمور الإيجابية التي حدثت لك منذ آخر لقاء بيننا؟

الافتراض هو أن أمورًا جيدة قد وقعت بالفعل في حياة العميل

 

أنا مهتم بما ترغب في تعلّمه من لقائنا اليوم

الافتراض هنا أن العميل يريد أن يتعلم.

 

لا أعرف كيف سيبدأ سلوكك في التحسن.

الافتراض أن سلوكه سيتحسن.

 

أتساءل متى ستدرك أن نوبات الذعر قد توقفت.

الافتراض أن النوبات ستتوقف

 

  • الاقتراحات المرتبطة بالبديهيات

الاقتراح المرتبط بالبديهيات يتكون من جزأين

عبارة عن شيء لا يمكن إنكاره (بديهي)، يليها اقتراح لشيء قد يحدث

 

مثال:

ظهرك يستند إلى ظهر الكرسي (حقيقة لا يمكن إنكارها)

وقريبًا يمكنك أن تبدأ بالاسترخاء (اقتراح).

 

تعمل أدمغتنا من خلال الأنماط. فعندما نبدأ بشيء واضح وصادق، ثم نُتبع ذلك باقتراح، فإننا نبني نمطًا يقود إلى افتراض:

إن كان الجزء الأول صحيحًا، فالثاني لا بد أن يكون كذلك أيضًا.

لاحظ أن كلمة “و” تُستخدم كحلقة وصل بين الحقيقة والاقتراح.

 

أمثلة إضافية:

أنت جالس هنا / تتنفس / تنظر في أرجاء الغرفة / تستمع / تحرّك رأسك [أي سلوك يمكن وصفه]، وعيونك يمكن أن تغلق / إحدى يديك يمكن أن تشعر بالخفة / ستشعر براحة أعمق [أي شعور أو سلوك تريد استحضاره].

لقد أبلَيت بلاءً حسنًا ويمكنك أن تواصل.

للوقفة (الصمت القصير) الأثر ذاته. فهي تُعدّ بمثابة “و” ضمنيّة.

كل من “و” والوقفة يوحيان بوجود علاقة بين الحقيقة (البديهة) والاقتراح.

لكن في الحقيقة، لا حاجة لوجود علاقة فعلية بينهما، إلا داخل النمط الذي قمنا نحن بإنشائه في ذهن المستمع.

استخدام هذه المهارة في الإيحاء أو العلاج

يمكن استخدام العبارات التي تحتوي على حقيقة متبوعة بالاقتراحات لتحفيز حالة الاسترخاء، وهي بنفس القوة عند استخدامها لإحداث تغييرات علاجية.

مثال على تحفيز الاسترخاء

قدماك تستقران على الأرض، وذراعاك مستندتان إلى الكرسي، وظهرك مدعوم، وقريبًا يمكنك أن تسترخي.

 

مثال على التغييرالإيجابي:

لقد شعرت بالاسترخاء في أوقات مختلفة من ماضيك، ويمكن أن يحدث هذا مجددًا، ويتكرر أكثر فأكثر في مستقبلك.

(وبالطبع لا يُعطى هذا الاقتراح إلا إذا كنتَ تعلم أن العميل قد اختبر سابقًا شعورًا بالاسترخاء، لأن العبارة تحتوي على حقيقة لا يمكن إنكارها، فهي تصريح بحقيقة واقعية.)

  • استخدام العبارات التي تحتوي على حقيقة والاقتراحات للتركيز على الواقع الداخلي 

يمكنك توظيف هذه المهارة لمساعدة العميل على نقل وعيه من الواقع الخارجي إلى الواقع الداخلي. 

فعندما تقدم اقتراحًا يتكوّن من عبارة تحتوي على حقيقة تصف سلوكًا خارجيًا لا يمكن إنكاره وملاحظته، يتبعها اقتراح لسلوك داخلي محتمل وغير قابل للتحقق، فإن وعي العميل يبدأ بالتحول تدريجيًا نحو عالمه الداخلي.

أمثلة:

أنت تنظر من النافذة، ويمكن أن تتدفق إلى ذهنك كل أنواع الذكريات السعيدة.

أنت تجلس على هذا الكرسي وتسترخي أكثر فأكثر، وقريبًا يمكنك أن تفكر بهدوء ووضوح أكبر في وضعك.

أنت تتنفس بسرعة الآن، وقريبًا يمكنك أن تلاحظ كيف يمكنك تهدئة تنفسك.

إذا قدّمت سلسلة من هذه الاقتراحات برفق، فإن وعي العميل سيتحول بشكل طبيعي من التركيز على العالم الخارجي إلى استكشاف الداخل.

  • اقتراحات مرتبطة بنشاط مستمر 

تشبه اقتراحات النشاط المستمر الاقتراحات المرتبطة بالحقائق، إذ نقوم بربط أمر يحدث فعليًا بشيء نرغب بحدوثه.

 في هذه الحالة، نربط بين سلوك يقوم به العميل بالفعل واقتراح نوجهه له، مما يخلق إيحاءً بأن هناك علاقة سببية بين النشاط الجاري والنتيجة المرجوة، حتى وإن لم تكن موجودة فعليًا. 

على سبيل المثال:

مع كل زفير، يمكنك أن تسترخي أكثر فأكثر

الإيحاء هنا أن كل نفس يُخرج سيُسهم في تعميق الاسترخاء. وعلى مستوى معين، يقوم العقل بربط الجزأين ويتصرف كما لو أن ذلك صحيح. 

أمثلة أخرى:

بينما تواصل النظر إلى تلك النقطة، قد تشعر عيناك بالإرهاق وتغلقان من تلقاء نفسيهما.

مع تباطؤ تنفّسك، يمكنك أن تتذكر بشكل أوضح آخر مرة استرخيت فيها بعمق.

مع كل صوت تسمعه من حولك، يمكنك أن تسترخي أكثر فأكثر. 

مع كل صورة أو صوت أو إحساس يمر بذهنك، يمكنك أن تغوص في تجربة داخلية أعمق و أغنى

 

  • التوجيهات السياقية (ما بعد الاسترخاء) 

هذه التوجيهات تربط العلاج بالعالم الخارجي لغرفة العلاج. إنها تأخذ العلاج إلى سياق حياة الشخص – لذا يجب تشكيلها بعناية لتتناسب مع هذا السياق، ولتساعد الشخص في تحقيق أهدافه  في ظروفه الخاصة. تتبع هذه التوجيهات النمط التالي: “عندما تكون في تلك الظروف مرة أخرى، عندها يمكن أن يحدث هذا [السلوك أو الشعور]

 

 بعض الأمثلة:

إذا عرض عليك أحدهم سيجارة، قد ترى صورة لعيون طفلك الكبيرة التي ترجوك ألا تدخن / ترى نفسك تركض بسهولة / ترى نفسك تتنفس بعمق / تصعد السلالم بخطوتين في كل مرة وتذكر بالضبط لماذا قررت أن تتوقف عن التدخين.

عندما تدخل من باب الاجتماع، سيغمر شعور من الهدوء والاسترخاء جسدك، ويمكن أن تبقى صورة التحدث بسهولة وراحة، كما لو كنت تتحدث مع عائلتك وأصدقائك.

 

عندما تعود إلى المنزل من العمل، يمكنك أن تمر بجانب المطبخ، تذهب إلى غرفتك، ترتدي ملابس الجري وتذهب للجري، شعورك بالتحكم والقوة يتزايد.

 

وأنت جالس في كرسيك المفضل، يمكنك أن تبدأ في الدخول في حالة عميقة من الاسترخاء الصحي.

وعندما يتعرف عقلك الواعي على حل معقول وجدير بالاهتمام، ستفتح عيناك من تلقاء نفسها.

 

  • التوجيهات المفتوحة 

التوجيهات المفتوحة تمنح العملاء الاستقلالية لاختيار حلولهم الخاصة وتحث دماغهم على حل المشكلات لاكتشاف حل قد لا يكون قد تم اكتشافه بعد. داخل التوجيه المفتوح، تقوم بإنشاء قالب أو نمط ليكمل العميل بنفسه في الوقت المناسب وفي سياق حياته الخاصة.

عندما تنظر إلى حديقتك، قد تجد أفكارًا وحلولًا جديدة تنمو طبيعيًا في عقلك.وبداخل عقلك، يمكنك الآن الذهاب إلى مكان خاص تشعر فيه بالأمان والراحة بشكل خاص. قد يكون في الريف، أو بجانب البحر، أو في وسط مكان مزدحم، أو في مكان ما بينهما، لكنه مكان مريح وخاصة بالنسبة لك.

لدينا جميعًا إمكانيات لا نكون على دراية بها، وعادة لا نعرف كيف سيتم التعبير عنها.

بينما تنظر إلى ضوء الشمس في الصباح، قد تجد أن الحل المناسب يظهر لك وأن لديك الطاقة لتنفيذه على الفور.


المصدر:

Ivan Tyrrell, Joe Griffin, Gareth Hughes. Human Givens College Diploma Course Manual. 2022. pp 95-99

بتصرف يسير

شارك هذه التدوينة:
Facebook
Twitter
LinkedIn
Pinterest
Telegram

شاركنا تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إرسال التعليق

استبانات قد تساعدك